إن وصول بعض قناديل البحر إلى شواطئنا ليس إستثناءا ففي السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاع ملموس في عدد قناديل البحر في مختلف شواطئ العالم وهو ما أثار إحساسا بالخوف ودفع ببعض المصطافين إلى حد العزوف عن السباحة وزاد من شدة قلقهم وخاصة بالنسبة لأطفالهم الصغار الذين قد لا يتحملون ألم لسعة هذا الحيوان غير المرغوب فيه.
وإزاء ما سلف ذكره فإن أغلب المصطافين لا يعرفون كيف يتعاملون مع لسعة قنديل البحر بل والكثيرون منهم يتصرفون عند الإصابة بلسعة بشكل عشوائي مما قد يزيد من أثارها وحدة الآلام التي قد تترتب عنها .
فما الذي يجب معرفته عن هذا المخلوق الغريب وعن كيفية إسعاف الإصابات التي يتسبب فيها ؟
قناديل البحر أو الحريقة هي من الكائنات البحرية الواسعة الانتشار حيث توجد تقريبا في جميع بحار العالم وتطفو سابحة خاصة في المياه الملوثة بالمخلفات العضوية التي غالبا ما يكون مصدرها إما بعض أنواع الطحالب أو مياه الصرف الصحي. تتحرك قناديل البحر في الماء حركة حرة بإستخدام جسمها و لوامسها وتتمكن من السباحة بحركة تشبه عملية فتح مظلة وإغلاقها إلا أنها تعتبر من الكائنات البحرية غير القادرة على مواجهة تيارات الماء حيث غالبا ما تقذف بها الأمواج على رمال الشواطئ ، أما عن تسميتها بقناديل البحر فمردها إلى شكلها المستدير ولونها المائل إلى الأبيض الشاحب أو الأزرق شبه الشفاف وإلى توهج البعض منها خاصة في الليل، ومن الحقائق التي يجب على جميع السباحين معرفتها عن هذه الكائنات الهلامية هي أنها ليست مسالمة كما قد يتبادر إلى الذهن.
أجسام قناديل البحر شبه شفافة لدرجة أنها قد تكون بجانبك وقريبة منك دون أن تراها ويمكن كذلك عند التدقيق فيها من الخارج رؤية أعضائها الداخلية بسهولة . يملك قنديل البحر أشكالا جميلة وجذابة وألوان مختلفة إما زرقاء أو بنفسجية أو أرجوانية أو صفراء أو بنية أو بيضاء شاحبة ، و يتكون جسم قنديل البحر في معظمه من الماء (أكثر من 98% من وزنه) لذلك تتحلل بسرعة عند خروجها من الماء ولا تترك على الشاطئ سوى آثار بسيطة من المواد العضوية التي سرعان ما تختفي خلال بضعة أيام.
يأخذ جسم قنديل البحر شكل قرص ويشبه المظلة أو الناقوس في مظهره العام حيث يكون سطحه الأعلى محدب ويبدو مقعراً من الأسفل أي من الناحية البطنية التي تحتوي في وسطها على الفم الذي يتدلى بارزا وكأنه مقبض. تزين أطراف جسم قنديل البحر لوامس
مجوفة على شكل رماح بها العديد من الخلايا اللاسعة المتراصة بعضها بجوار البعض وهي خلايا من نوع خاص وشديدة التعقيد تؤمن لقنديل البحر وظائف دفاعية وغذائية وتسبب بلسعاتها آلاما مبرحة وحروقاً ملتهبة.
كما توجد على الحواف ثمانية لوامس تحتوى على أعضاء حسية تعرف بالأكياس اللمسية وظيفتها حفظ التوازن وهي التي تمكن قنديل البحر من البقاء في وضع ثابت حيث يكون فمه لأسفل وظهر مظلته لأعلى.
تتفاوت أحجام قناديل البحر فهناك الصغيرة التي لا يتعدى حجمها حجم حبة الزيتون ومنها المتوسطة التي يتراوح قطر مظلتها من سبعة سنتيمترات إلى 40 سم كما توجد الأنواع العملاقة التي يصل قطر مظلتها إلى أكثر من مترين وطول لوامسها إلى أكثر من 30 مترا ووزنها إلى حوالي الطن كما في النوع الذي يعيش بالمناطق الباردة بشمال المحيط الأطلسي.
تكاثر قناديل البحر:
أما عن سر انتشار قناديل البحر في فترة معينة من السنة فمرده إلى موسم التزاوج والتكاثر الذي يتزامن مع فصل الربيع، وبالتالي تظهر أعداد كبيرة من قنديل البحر مع فترة الصيف علما وأن دورة حياة قنديل البحر لا تتعدي سنتين في أقصى الحالات.
تولد قناديل البحر من فم الأم على شكل كتل صغيرة من خلايا ذات أذناب تتحول وهي تسبح إلى نماذج مصغرة من آبائها ثم يزداد حجمها وتتطور إلى أن يكتمل نموها في فترة وجيزة جدا، وفي بعض الأنواع تلتصق كتل السالفة الذكر بقاع البحر، وتنمو متخذة شكل نباتي وتظهر لها ساق حتى تصبح في مظهرها وكأنها زهرة بديعة المنظر الفم مركزها و الأذرع والملامس أوراقها.
وحيث أن قناديل البحر تتغذى بشكل عام على بيض ويرقات الأسماك وكذلك العوالق البحرية الحيوانية فهي تتكاثر خاصة في فترات الصيف نظراً لوفرة الغذاء وتعتبر قناديل البحر كذلك غذاءا لبعض الكائنات الأخرى مثل السلاحف البحرية وبعض الأنواع القليلة من الأسماك.
خطر تكاثر قناديل البحر:
لقد حذر العديد من خبراء الأحياء البحرية من خطر التغيرات المناخية وبعض الأنشطة البشرية كتصريف المياه المستعملة في البحار اللذان قد يساعدان على تكاثر قناديل البحر وهيمنتها على بعض محيطات العالم وهو ما قد يتسبب في ضرر كبير للثروة السمكية. كما حذر بعضهم على إمكانية نمو نوع ضخم من قناديل البحر قد يتفاقم حجمه وقد يصل وزنه إلى أكثر من 200 كيلوغرام، بقطر يبلغ حوالي المترين.
وأشارت بعض الدراسات إلى تزايد أعداد قناديل البحر في بعض مناطق العالم وخاصة منها مناطق جنوب شرق آسيا، والبحر الأسود وخليج المكسيك وبحر الشمال. حيث نبهت إلى خطورة هذا الانتشار وضرورة التحرك لتفادي تحول مفاجئي في أنظمة الحياة البحرية العالمية تهيمن من خلاله قناديل البحر وتتسبب في إبادة الثروة السمكية بأكل بيض الأسماك واليرقات.
و هو ما دفع البعض إلى التفكير في حلول لهذه المعضلة من بينها استخدام الموجات الصوتية لتفجير تلك المخلوقات التي تتميز بجسم شفاف، وتطوير شبكات خاصة للقضاء عليها.
أخطار قناديل البحر:
تساعد الخلايا اللاسعة قنديل البحر في الصيد وفي الدفاع عن نفسه إضافة إلى الإلتصاق وتثبيت نفسه وهذه الخلايا هي التي تتسبب في الإحساس بالألم الشديد في موقع اللسعة من جلد الإنسان وذلك لأن الأكياس الخيطية لقنديل البحر تحتوى إما على مواد شديدة القلوية أو على سوائل بروتينية سامة تتسبب عندما تحقن في جسم الإنسان في حدوث حروق و إلتهابات مؤلمة وحالات تسمم متفاوتة الخطورة.
تختلف حدة لسعة قنديل البحر وخطورتها من حالة إلى أخرى ويرجع ذلك مكان اللسعة من الجسم وإلى عدد الخلايا اللاسعة التي تخرق الجلد ، والمدة الزمنية التي يبقى فيها الجسم معرضا إلى السموم وبالتالي إلى كمية المواد السامة التي يحقن بها و أياً كانت الحالة فإن نوع قنديل البحر وطول لوامسه وأذرعه لها دور رئيسي في تحديد حدة ودرجة خطورة الإصابة، علما أن بعض قناديل البحر تحتفظ حتى بعد أن تموت بقدرتها على اللسع واختراق جلد الإنسان وحقنه بسمومها.
و بعض أنواع قناديل البحر على غرار تلك التي تعيش قبالة سواحل أستراليا وفي بعض المناطق النائية الأخرى من العالم تعتبر أنواع شديدة السمية والخطورة حيث أنها قادرة على التسبب في وفاة الإنسان الملسوع في غضون دقائق قليلة كما يتسبب الكثير منها في الإصابة بالحساسية.
لسعة قناديل البحر:
تحدثت إحدى الأمهات عن الحريقة فقالت لن أذيع سرا إّذا قلت لكم بأني أصبت حقا بقلق وذعر شديدين من صرخات طفلي الذي أصيب بلسعة قنديل البحر، ومما زاد في قلقي أن ذلك استمر لأكثر من ساعة، بل وبقي أثر اللسعة ظاهرا طوال اليوم، والأكثر من ذلك تغير إبني وتحول حاله من عاشق للبحر إلى عازف عنه وقد باءت محاولاتي المتعددة لإقناعه بخلاف ذلك بالفشل وهذا دليل على عمق إصابته وتأثره نفسيا بما حدث.
كما تحدث أخر عن تجربته الشخصية مع لسعة قنديل البحر قائلا لقد عانيت أكثر من مرة من لسعة الحريقة ولم تبقى في ذاكرتي إلا اللسعة التي تعرضت اليها في السنة الفارطة والغريب أن القنديل لم يكتف باللسع فقط بل ترك جزءا كبيرا من ملامسه ملتصقا بفخذي، الأمر الذي زاد من حدة الألم الذي تملكني وبالرغم من أنني ذهبت مسرعا إلي حنفية المياه العذبة وقمت بغسل مكان اللسعة وإزالة ما علق بها من بقايا ملامس القنديل إلا أن الألم ما فتئ يتزايد بل واستمر لفترة طويلة بعد الإصابة وهو ما أصابني بالذعر لكثرة ما اسمع عن السموم التي قد يفرزها القنديل في المصاب وأخطارها.
ومن أهم وأول علامات التعرض للسعة قنديل البحر الإحساس بالحرق الذي مرده بالأساس على المادة الحارقة التي يقوم قنديل البحر بحقنها في الجلد بمكان الإصابة بعد ذلك سرعان ما تظهر علامات إحمرار على مكان الإصابة الذي يتورم مما يزيد في حدة الألم الناتج عن اللسعة ويمكن أن يتبع ذلك ظهور طفح جليدي.
كما يمكن أن ينتج عن اللسعة لدى بعض الأشخاص حساسية موضعية شديدة يمكن إذا لم تقع معالجتها في الوقت المناسب أن تتحول بسبب تسرب السموم إلى الدم إلى حساسية مركزية أكثر خطورة وتأثير.
وما يثلج الصدر أن أغلب أصناف قناديل البحر الموجودة في شواطئ بلادنا هي من النوع غير السام علما وأن القناديل السامة قليلة وتكثر خاصة في الأعماق بحيث لا يتعرض لأذاها سوى الذين يمارسون الغوص في الأعماق.
وفي العادة تعتبر لسعة قنديل البحر غير خطيرة ولا داعي للخوف والفزع منها وهي لا تتطلب سوى الإسراع الخروج من الشاطئ بمجرد الإحساس بالحرق لتفادي التعرض للسعات أخرى لقناديل البحر ومن ثمة المبادرة بغسل مكان الإصابة بمياه البحر المالحة ومن مكان بعيد عن إحتمال وجود قناديل بحر به.
كيفية إسعاف لسعة قنديل البحر:
· تهدئة المصابين وطمأنتهم وخاصة الأطفال الصغار لحمايتهم من الإصابة بصدمة عصبية أو تشنجات والإسراع بإخراجهم فورا من الماء.
· المبادرة بإزالة بقايا قنديل البحر التي يمكن أن تبقى ملتصقة بمكان الإصابة لأن بقاءها يتسبب في تواصل حقن الجلدة بكميات إضافية من السموم.
· عدم إزالة أجزاء القنديل التي تبقى ملتصقة بمكان الإصابة بواسطة آلات حادة أو بفركها بالرمل ولا تقم بلفها بقطعة من القماش لأن ذلك يساهم في تعكير حدة الإصابة بتحفيز الخلايا السامة ويستحسن إستعمال ملاقط.
· غسل آثار لسعة قنديل البحر بالماء المالح وليس بماء الحنفية العذب لأن هذا الأخير يحفز مفعول السموم ويزيد من حدة الآلام الناتجة عنها.
· عدم إستعمال الكحول أو العطور أو أية مراهم أخرى لمعالجة أثار اللسعة ويمكن اللجوء الخل أو عصير الليمون وكذلك الماء البارد الذي من شانه التخفيف من شدة الألم.
· يمكن إستشارة الطبيب أو الصيدلي لوصف مضاد للإلتهاب الموضعي أو مراهم للتخفيف من وطأة الإصابة.
· نقل المصاب إلى أقرب وحدة صحية لتلقي العلاج اللازم إذا لم نلاحظ تحسن في حالته علما وأن ذلك يتم مع مراعاة سن المصاب وحالته الصحية ومكان الإصابة ومدى تأثره بها.
وأخيرا نصح الغواصين بإرتداء بدلاتهم الواقية للغوص في المناطق العميقة والتي يحتمل تواجد عدد كبير من قناديل البحر بها كما يستحسن أن يمتنع السباحون من السباحة في الشواطئ التي تكثر بها الطحالب وخاصة بعد العواصف ونزول الأمطار.